إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
شرح نظم البرهانية
69878 مشاهدة
الحق الرابع: الوصايا

فإذا أوفينا الديون بدأنا بعد ذلك بالوصايا. إذا كان قد أوصى في حياته، قال: أوصي لفلان بألف بعد موتي. أوصي لفلان بخمسة آلاف. وأشباه ذلك.. الوصايا تعتبر تبرعًا منه؛ ولكن تلزم إذا كانت أقل من الثلث أو الثلث فأقل ولم تكن لوارث.
ورد ذكرها في القرآن؛ ولكن نسخ إطلاقها قبل نزول آية المواريث. كان الرجل إذا حضره الموت يقول: أعطوا والدي من تركتي كذا، وأعطوا والدتي كذا، وأعطوا أخي كذا، أعطوا ابني الأكبر كذا. فيقسمها عملًا بقول الله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا يعني: مالًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ بدأ بالوالدين ثم بالأقربين؛ وذلك لأنهم كانوا يجعلون المال كله للأولاد، ويوصون للوالدين وللإخوة وللأقارب؛ فلما ذكر الله نصيب الوالدين اكتُفِي بنصيبهما من التركة، فجاء الحديث الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه؛ فلا وصية لوارث لا وصية لوارث يعني: من كان وارثًا اكتفى بنصيبه. الوالدان يرثان بكل حال، والزوجة ترث أو الزوج يرث من زوجته ما يسقط بحال، والأولاد -ذكورًا وإناثًا- يرثون؛ فلذلك لا يوصي لهم. يوصي لمن ليس بوارث، إذا كان له إخوة أو أخوات محجوبون يوصي لهم بموجب -مثلًا- صداقة أو مودة أو محبة؛ يوصي لهم بما يكون كفيلًا بذلك؛ بما يكفيهم. فأما الوصية للوارث فإنه يكفيه نصيبه من الإرث، فتقدم الوصايا إذا كانت الثلث أو أقل؛ تعطى للموصى لهم.
ولا يجوز أن يوصي بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة. ورد في حديث إن الله تصدق عليكم عند وفاتكم بثلث أموالكم زيادة في أعمالكم .
فإذا أوصى بثلثه فإنه ينفَّذ، واستحب بعض الصحابة الاقتصار على الخُمس، أوصى أبو بكر -رضي الله عنه- بالخُمس وقال: رضيت لنفسي بما رضي الله –تعالى- لنفسه في قوله تعالى: فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وروي عن ابن عباس قال: لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الثلث والثلث كثير لما قال سعد بن أبي وقاص أتصدق بثلثي مالي؟ قال: لا. قال: فالشطر؟ قال: لا. قال: فالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير فيقول: لو أنهم غضوا عن الثلث إلى الربع؛ لكن يختلف هذا.. فمن كان ورثته فقراء وماله قليل؛ فالأولى له أن يتركه كله لورثته؛ لأنهم أولى به. ومن كان ورثته أغنياء جاز له في حياته أن يتصدق بكل ماله؛ إذا كان ورثته أغنياء وهو حي. وأما عند مرض موته فإن الحقوق تعلقت بالتركة -حقوق الورثة- ففي هذه الحال.. لا يوصي بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة.
إذا أوصى في مرض موته بشيء من التبرعات، أو بشيء من التركة لأحد الورثة فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة. وكذلك أوصى بأكثر من الثلث فلا ينفذ إلا بإجازة الورثة ما زاد على الثلث؛ فإذا نُفِّذت الوصية بعد ذلك قُسِمَ الباقي على الورثة على حسب ميراثهم -كما في هذا النظم وغيره-.